فصل: باب وجوب قراءة الفاتحة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب وجوب قراءة الفاتحة

1 - عن عبادة بن الصامت‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب‏)‏ رواه الدارقطني وقال‏:‏ إسناده صحيح‏.‏

الحديث زاد فيه مسلم وأبو داود وابن حبان لفظ ‏(‏فصاعدًا‏)‏ لكن قال ابن حبان‏:‏ تفرد بها معمر عن الزهري وأعلها البخاري في جزء القراءة ورواية الدارقطني صححها ابن القطان ولها شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعًا بهذا اللفظ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما‏.‏

ولأحمد بلفظ‏:‏ ‏(‏لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن‏)‏ وفي الباب عن أنس عند مسلم والترمذي‏.‏ وعن أبي قتادة عند أبي داود والنسائي‏.‏ وعن عبد اللَّه بن عمر عند ابن ماجه‏.‏ وعن أبي سعيد عند أحمد وأبي داود وابن ماجه‏.‏ وعن أبي الدرداء عند النسائي وابن ماجه‏.‏ وعن جابر عند ابن ماجه‏.‏ وعن علي عند البيهقي‏.‏ وعن عائشة وأبي هريرة وسيأتيان إن شاء اللَّه تعالى‏.‏ وعن عبادة وسيأتي في الباب الذي بعد هذا‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على تعين فاتحة الكتاب في الصلاة وأنه لا يجزئ غيرها وإليه ذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وهو مذهب العترة لأن النفي المذكور في الحديث يتوجه إلى الذات إن أمكن انتفاؤها وإلا توجه إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة لا إلى الكمال لأن الصحة أقرب المجازين والكمال أبعدهما والحمل على أقرب المجازين واجب‏.‏ وتوجه النفي ههنا إلى الذات ممكن كما قال الحافظ في الفتح لأن المراد بالصلاة معناها الشرعي لا اللغوي لما تقرر من أن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لكونه بعث لتعريف الشرعيات لا لتعريف الموضوعات اللغوية وإذا كان المنفي الصلاة الشرعية استقام نفي الذات لأن المركب كما ينتفي جميع أجزائه ينتفي بانتفاء بعضها فلا يحتاج إلى إضمار الصحة ولا الإجزاء ولا الكمال كما روي عن جماعة لأنه إنما يحتاج إليه عند الضرورة وهي عدم إمكان انتفاء الذات ولو سلم أن المراد هنا الصلاة اللغوية فلا يمكن توجه النفي إلى ذاتها لأنها قد وجدت في الخارج كما قاله البعض لكان المتعين توجيه النفي إلى الصحة أو الإجزاء لا إلى الكمال أما أولًا فلما ذكرنا من أن ذلك أقرب المجازين وأما ثانيًا فلرواية الدارقطني المذكورة في الحديث فإنها مصرحة بالإجزاء فيتعين تقديره‏.‏ إذا تقرر هذا فالحديث صالح للاحتجاج به على أن الفاتحة من شروط الصلاة لا من واجباتها فقط لأن عدمها قد استلزم عدم الصلاة وهذا شأن الشرط‏.‏

وذهبت الحنفية وطائفة قليلة إلى أنها لا تجب بل الواجب آية من القرآن هكذا قال النووي والصواب ما قال الحافظ أن الحنفية يقولون بوجوب قراءة الفاتحة لكن بنوا على قاعدتهم أنها مع الوجوب ليست شرطًا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى ‏{‏فاقرؤوا ما تيسر منه‏}‏ فالفرض قراءة ما تيسر وتعين الفاتحة إنما يثبت بالحديث فيكون واجبًا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه وهذا تعويل على رأي فاسد حاصله رد كثير من السنة المطهرة بلا برهان ولا حجة نيرة فكم موطن من المواطن يقول فيه الشارع لا يجزئ كذا لا يقبل كذا لا يصح كذا ويقول المتمسكون بهذا الرأي يجزئ ويقبل ويصح ولمثل هذا حذر السلف من أهل الرأي‏.‏

ـ ومن جملة ـ ما أشادوا به هذه القاعدة أن الآية مصرحة بما تيسر وهو تخيير فلو تعينت الفاتحة لكان التعيين نسخًا للتخيير والقطعي لا ينسخ بالظني فيجب توجيه النفي إلى الكمال وهذه الكلية ممنوعة والسند ما تقدم من تحول أهل قبا إلى الكعبة بخبر واحد ولم ينكر عليهم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بل مدحهم كما تقدم ذلك في باب الاستقبال ولو سلمت لكان محل النزاع خارجًا عنها لأن المنسوخ إنما هو استمرار التخيير وهو ظني وأيضًا الآية نزلت في قيام الليل فليست مما نحن فيه‏.‏

وأما قولهم إن الحمل على توجه النفي إلى الصحة إثبات للغة بالترجيح وإن الصحة عرف متجدد لأهل الشرع فلا يحمل خطاب الشارع عليه وإن تصحيح الكلام ممكن بتقدير الكمال فيكفي لأن الواجب التقدير بحسب الحاجة فيرده تصريح الشارع بلفظ الإجزاء وكونه من إثبات اللغة بالترجيح بل هو من إلحاق الفرد المجهول بالأعم الأغلب المعلوم‏.‏

ومن جملة ما استظهروا به على توجه النفي إلى الكمال أن الفاتحة لو كانت فرضًا لوجب تعلمها واللازم باطل فالملزوم مثله لما في حديث المسيء صلاته بلفظ‏:‏ ‏(‏فإن كان معك قرآن وإلا فاحمد اللَّه وكبره وهلله‏)‏ عند النسائي وأبي داود والترمذي وهذا ملتزم فإن أحاديث فرضيتها تستلزم وجوب تعلمها لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب كما تقرر في الأصول‏.‏ وما في حديث المسيء لا يدل على بطلان اللازم لأن ذلك فرضه حين لا قرآن معه على أنه يمكن تقييده بعدم الاستطاعة لتعلم القرآن كما في حديث ابن أبي أوفى عند أبي داود والنسائي وأحمد وابن الجارود وابن حبان والحاكم والدارقطني‏:‏ ‏(‏أن رجلًا جاء إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا فعلمني ما يجزيني في صلاتي فقال‏:‏ قل سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللَّه‏)‏ ولا شك أن غير المستطيع لا يكلف لأن الاستطاعة شرط في التكليف فالعدول ههنا إلى البدل عنه تعذر المبدل غير قادح في فرضيته أو شرطيته‏.‏

ـ ومن أدلتهم ـ ما في حديث المسيء بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن‏)‏ والجواب عنه أنه قد ورد في حديث المسيء أيضًا عند أحمد وأبي داود وابن حبان بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم اقرأ بأم القرآن‏)‏ فقوله ما تيسر مجمل مبين أو مطلق مقيد أو مبهم مفسر بذلك لأن الفاتحة كانت هي المتيسرة لحفظ المسلمين لها وقد قيل إن المراد بما تيسر فيما زاد على الفاتحة جمعًا بين الأدلة لأن حديث الفاتحة زيادة وقعت غير معارضة وهذا حسن‏.‏ وقيل إن ذلك منسوخ بحديث تعيين الفاتحة وقد تعقب القول بالإجمال والإطلاق والنسخ والظاهر الإبهام والتفسير وهذا الكلام إنما يحتاج إليه على القول بأن حديث المسيء يصرف ما ورد في غيره من الأدلة المقتضية للفرضية‏.‏ وأما على القول بأنه يؤخذ بالزائد فالزائد فلا إشكال في تحتم المصير إلى القول بالفرضية بل القول بالشرطية لما عرفت‏.‏

ومن أدلتهم أيضًا حديث أبي سعيد بلفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو غيرها‏)‏ قال ابن سيد الناس‏:‏ لا يدري بهذا اللفظ من أين جاء وقد صح عن أبي سعيد عند أبي داود أنه قال‏:‏ ‏(‏أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر‏)‏ وإسناده صحيح ورواته ثقات ومن أدلتهم أيضًا حديث أبي هريرة عند أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب‏)‏ ويجاب بأنه من رواية جعفر بن ميمون وليس بثقة كما قال النسائي‏.‏

وقال أحمد‏:‏ ليس بقوي في الحديث وقال ابن عدي‏:‏ يكتب حديثه في الضعفاء وأيضًا قد روى أبو داود هذا الحديث من طريقه عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏أمرني رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن أنادي أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد‏)‏ كما سيأتي وليست الرواية الأولى بأولى من هذه وأيضًا أين تقع هذه الرواية على فرض صحتها بجنب الأحاديث المصرحة بفرضية فاتحة الكتاب وعدم إجزاء الصلاة بدونها‏.‏

ـ ومن أدلتهم ـ أيضًا ما روى ابن ماجه عن ابن عباس أنه لما مرض النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فذكر حديث صلاة أبي بكر بالناس ومجيء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إليهم وفيه‏:‏ ‏(‏فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والناس يأتمون بأبي بكر قال ابن عباس‏:‏ وأخذ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر‏)‏ ويجاب عنه بأنه روي بإسناد فيه قيس بن الربيع قال البزار‏:‏ لا نعلم روي هذا الكلام إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد وقيس قال ابن سيد الناس‏:‏ هو ممن اعتراه من ضعف الرواية وسوء الحفظ بولاية القضاء ما اعترى ابن أبي ليلى وشريكًا وقد وثقه قوم وضعفه آخرون على أنه لا مانع من قراءته صلى اللَّه عليه وآله وسلم للفاتحة بكمالها في غير هذه الركعة التي أدرك أبا بكر فيها لأن النزاع إنما هو في وجوب الفاتحة في جملة الصلاة لا في وجوبها في كل ركعة فسيأتي هذا خلاصة ما في هذه المسألة من المعارضات‏.‏

ـ وقد استدل ـ بهذا الحديث على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة تسمى صلاة وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة تقتضي حصول مسمى القراءة في تلك الصلاة والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة وإطلاق اسم الكل على البعض مجاز لا يصار إليه إلا لموجب فليس في الحديث إلا أن الواجب في الصلاة التي هي اسم لجميع الركعات قراءة الفاتحة مرة واحدة فإن دل دليل خارجي على وجوبها في كل ركعة وجب المصير إليه وقد نسب القول بوجوب الفاتحة في كل ركعة النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح إلى الجمهور‏.‏

ورواه ابن سيد الناس في شرح الترمذي عن علي وجابر وعن ابن عون والأوزاعي وأبي ثور قال‏:‏ وإليه ذهب أحمد وداود وبه قال مالك إلا في الناسي وإليه ذهب الإمام شرف الدين من أهل البيت‏.‏

قال المهدي في البحر‏:‏ إن الظاهر مع من ذهب إلى إيجابها في كل ركعة واستدلوا أيضًا على ذلك بما وقع عند الجماعة واللفظ للبخاري من قوله صلى اللَّه عليه وسلم للمسيء‏:‏ ‏(‏ثم افعل ذلك في صلاتك كلها‏)‏ بعد أن أمره بالقراءة وفي رواية لأحمد وابن حبان والبيهقي في قصة المسيء صلاته أنه قال في آخره‏:‏ ‏(‏ثم افعل ذلك في كل ركعة‏)‏ وقد نسب صاحب ضوء النهار هذه الرواية إلى البخاري من حديث أبي قتادة وهو وهم والذي في البخاري عن أبي قتادة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب‏)‏ وهذا الدليل إذا ضممته إلى ما أسلفنا لك من حمل قوله في حديث المسيء ‏(‏ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن‏)‏ على الفاتحة لما تقدم انتهض ذلك للاستدلال به على وجوب الفاتحة في كل ركعة وكان قرينة لحمل قوله في حديث المسيء‏:‏ ‏(‏ثم كذلك في كل صلاتك فافعل‏)‏ على المجاز وهو الركعة وكذلك حمل‏:‏ ‏(‏لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب‏)‏ عليه‏.‏ ويؤيد وجوب الفاتحة في كل ركعة حديث أبي سعيد عند ابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها‏)‏‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناده ضعيف‏.‏ وحديث أبي سعيد أيضًا بلفظ‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة‏)‏ رواه إسماعيل بن سعيد الشاكنجي قال ابن عبد الهادي في التفتيح‏:‏ رواه إسماعيل هذا هو صاحب الإمام أحمد من حديث عبادة وأبي سعيد بهذا اللفظ وظاهر هذه الأدلة وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة من غير فرق بين الإمام والمأموم وبين إسرار الإمام وجهره وسيأتي الكلام على ذلك‏.‏

ـ ومن جملة المؤيدات ـ لوجوب الفاتحة في كل ركعة ما أخرجه مالك في الموطأ والترمذي وصححه عن جابر أنه قال‏:‏ ‏(‏من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام‏)‏ وذهب الحسن البصري والهادي والمؤيد باللَّه وداود وإسحاق إلى أن الواجب في الصلاة قراءة الفاتحة وقرآن معها مرة واحدة في أي ركعة أو مفرقة‏.‏ وقال زيد بن علي والناصر‏:‏ إن الواجب القراءة في الأوليين وكذا قال أبو حنيفة لكن من غير تخصيص للفاتحة كما سلف عنه‏.‏ وأما الأخريان فلا تتعين القراءة فيهما عندهم بل إن شاء قرأ وإن شاء سبح زاد أبو حنيفة وإن شاء سكت‏.‏

ـ واحتج القائلون ـ بوجوب الفاتحة مرة واحدة بالأحاديث المذكورة في الباب فإن المعنى الحقيقي للصلاة هو جميعها لا بعضها‏.‏

وقد عرفت الجواب عن ذلك واحتج من قال بوجوبها في الأوليين فقط بما روي عن علي عليه السلام أنه قرأ في الأوليين وسبح في الآخريين وقد اختلف القائلون بتعيين الفاتحة في كل ركعة هل تصح صلاة من نسيها فذهبت الشافعية وأحمد بن حنبل إلى عدم الصحة وروى ابن القاسم عن مالك أنه إن نسيها في ركعة من صلى ركعتين فسدت صلاته وإن نسيها في ركعة من صلى ثلاثية أو رباعية فروي عنه أنه يعيدها ولا تجزئه وروي عنه أنه يسجد سجدتي السهو وروي عنه أنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام‏.‏ ومقتضى الشرطية التي نبهناك على صلاحية الأحاديث للدلالة عليها أن الناسي يعيد الصلاة كمن صلى بغير وضوء ناسيًا واختلف هل تجب القراءة بزيادة على الفاتحة أو لا وسيأتي تحقيقه‏.‏

2 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏ وقد سبق مثله من حديث أبي هريرة‏.‏

الحديث أخرجه ابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد اللَّه بن الزبير عن أبيه عن عائشة‏.‏ ومحمد بن إسحاق فيه مقال مشهور ولكن يشهد لصحته حديث أبي هريرة المتقدم الذي أشار إليه المصنف عند الجماعة إلا البخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج‏)‏ وتقدم هنالك أيضًا ضبط الخداج وتفسيره ويشهد له أيضًا ما أخرجه البيهقي عن علي عليه السلام مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج‏)‏‏.‏

ـ والحديث ـ احتج به الجمهور القائلون بوجوب قراءة الفاتحة وأجاب القائلون بعدم الوجوب عنه بأن الخداج معناه النقص وهو لا يستلزم البطلان ورد بأن الأصل أن الصلاة الناقصة لا تسمى صلاة حقيقية وقد تقدم الكلام على بقية الأدلة في المسألة‏.‏

3 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمره أن يخرج فينادي لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أبو داود من طريق جعفر بن ميمون‏.‏ وقد تقدم أن النسائي قال‏:‏ ليس بثقة وأحمد قال‏:‏ ليس بقوي وابن عدي قال‏:‏ يكتب حديثه في الضعفاء‏.‏ ولكنه يشهد لصحته ما عند مسلم وأبي داود وابن حبان من حديث عبادة بن الصامت بلفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدًا‏)‏ وإن كان قد أعلها البخاري في جزء القراءة كما تقدم‏.‏

ويشهد له أيضًا حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر‏)‏ قال ابن سيد الناس‏:‏ وإسناده صحيح ورجاله ثقات‏.‏ وقال الحافظ‏:‏ إسناده صحيح ويشهد له أيضًا حديث أبي سعيد عند ابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة‏)‏ وقد تقدم تضعيف الحافظ له‏.‏

ـ وهذه الأحاديث ـ لا تقصر عن الدلالة على وجوب قرآن مع الفاتحة ولا خلاف في استحباب قراءة السورة مع الفاتحة في صلاة الصبح والجمعة والأوليين من كل الصلوات‏.‏ قال النووي‏:‏ إن ذلك سنة عند جميع العلماء وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة‏.‏ قال النووي‏:‏ وهو شاذ مردود‏.‏

وأما السورة في الركعة الثالثة والرابعة فكره ذلك مالك واستحبه الشافعي في قوله الجديد دون القديم‏.‏ وقد ذهب إلى إيجاب قرآن مع الفاتحة عمر وابنه عبد اللَّه وعثمان بن أبي العاص والهادي والقاسم والمؤيد باللَّه كذا في البحر‏.‏

وقدره الهادي بثلاث آيات قال القاسم والمؤيد باللَّه أو آية طويلة والظاهر ما ذهبوا إليه من إيجاب شيء من القرآن وأما التقدير بثلاث آيات فلا دليل عليه إلا توهم أنه لا يسمى ما دون ذلك قرآنًا لعدم إعجازه كما قال المهدي في البحر وهو فاسد لصدق القرآن على القليل والكثير لأنه جنس وأيضًا المراد ما يسمى قرآنًا معجزًا ولا تلازم بينهما وكذلك التقدير بالآية الطويلة‏.‏ نعم لو كان حديث أبي سعيد المصرح فيه بذكر السورة صحيحًا لكان مفسرًا للمبهم في الأحاديث من قوله ‏(‏فما زاد‏)‏ وقوله ‏(‏فصاعدًا‏)‏ وقوله ‏(‏وما تيسر‏)‏ ولكان دالًا على وجوب الفاتحة وسورة في كل ركعة ولكنه ضعيف كما عرفت‏.‏

وقد عورضت هذه الأحاديث بما في البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أنه قال في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت وإن زدت فهو خير‏.‏

ولكن الظاهر من السياق أن قوله وإن لم تزد الخ ليس مرفوعًا ولا مما له حكم الرفع فلا حجة فيه‏.‏ وقد أخرج أبو عوانة هذا الحديث كرواية الشيخين إلا أنه زاد في آخره وسمعته يقول‏:‏ ‏(‏لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وظاهر سياقه أن ضمير سمعته للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيكون مرفوعًا بخلاف رواية الجماعة ثم قال نعم‏.‏

قوله ‏(‏ما أسمعنا وما أخفى عنا‏)‏ يشعر بأن جميع ما ذكره متلقى عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيكون للجميع حكم الرفع اهـ‏.‏

وهذا الإشعار في غاية الخفاء باعتبار جميع الحديث فإن صح جمع بينه وبين الأحاديث المصرحة بزيادة ما تيسر من القرآن بحملها على الاستحباب‏.‏ وقد قيل إن المراد بقوله فصاعدًا دفع توهم حصر الحكم على الفاتحة كذا قال الحافظ وهو معنى ما قال البخاري في جزء القراءة إن قوله فصاعدًا نظير قوله ‏(‏تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وادعى ابن حبان والقرطبي وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد على الفاتحة وفيه نظر لثبوته عن بعض الصحابة وغيرهم اهـ‏.‏

 باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏ وقال مسلم‏:‏ هو صحيح‏.‏

زيادة قوله ‏(‏وإذا قرأ فأنصتوا‏)‏ قال أبو داود‏:‏ ليست بمحفوظة والوهم عندنا من أبي خالد‏.‏ قال المنذري‏:‏ وفيما قاله نظر فإن أبا خالد هذا هو سليمان بن حبان الأحمر وهو من الثقات الذين احتج البخاري ومسلم بحديثهم في صحيحيهما ومع هذا فلم يتفرد بهذه الزيادة بل قد تابعه عليها أبو سعيد محمد بن سعد الأنصاري الأشهلي المدني نزيل بغداد‏.‏

وقد سمع من ابن عجلان وهو ثقة وثقه يحيى بن معين ومحمد بن عبد اللَّه المخرمي وأبو عبد الرحمن النسائي وقد أخرج هذه الزيادة النسائي في سننه من حديث أبي خالد الأحمر ومن حديث محمد بن سعد وقد أخرج مسلم في الصحيح هذه الزيادة في حديث أبي موسى الأشعري من حديث جرير بن عبد الحميد عن سليمان التيمي عن قتادة وقال الدارقطني‏:‏ هذه اللفظة لم يتابع سليمان التيمي فيها عن قتادة وخالفه الحفاظ فلم يذكروها قال‏:‏ وإجماعهم على مخالفته يدل على وهمه‏.‏

قال المنذري‏:‏ ولم يؤثر عند مسلم تفرد سليمان بذلك لثقته وحفظه وصحح هذه الزيادة يعني مسلمًا قال أبو إسحاق صاحب مسلم‏:‏ قال أبو بكر ابن أخت أبي النصر‏:‏ في هذا الحديث لمسلم أي طعن فيه فقال مسلم‏:‏ يزيد أحفظ من سليمان فقال أبو بكر‏:‏ فحديث أبي هريرة هو صحيح يعني ‏(‏فإذا قرأ فأنصتوا‏)‏ فقال‏:‏ هو عندي صحيح فقال‏:‏ لم لم تضعه ههنا فقال‏:‏ ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه فقد صحح مسلم هذه الزيادة من حديث أبي موسى الأشعري ومن حديث أبي هريرة‏.‏

قوله ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏ معناه أن الإئتمام يقتضي متابعة المأموم لإمامه فلا يجوز له المقارنة والمسابقة والمخالفة إلا ما دل الدليل الشرعي عليه كصلاة القائم خلف القاعد ونحوها‏.‏ وقد ورد النهي عن الاختلاف بخصوصه بقوله ‏(‏لا تختلفوا‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏فكبروا‏)‏ جزم ابن بطال وابن دقيق العيد بأن الفاء للتعقيب ومقتضاه الأمر بأن أفعال المأموم تقع عقب فعل الإمام فلو سبقه بتكبيرة الإحرام له لم تنعقد صلاته وتعقب القول بالتعقيب بأن فاءه هي العاطفة وأما التي هنا فهي للربط فقط لأنها وقعت جوابًا للشرط فعلى هذا لا يقتضي تأخر أفعال المأموم عن الإمام إلا على القول بتقدم الشرط على الجزاء‏.‏ وقد قال قوم‏:‏ إن الجزاء يكون مع الشرط فينبغي على هذا المقارنة‏.‏

قوله ‏(‏وإذا قرأ فأنصتوا‏)‏ احتج بذلك القائلون أن المؤتم لا يقرأ خلف الإمام في الصلاة الجهرية وهم زيد بن علي والهادي والقاسم وأحمد بن عيسى وعبيد اللَّه بن الحسن العنبري وإسحاق بن راهويه وأحمد ومالك والحنفية لكن الحنفية قالوا لا يقرأ خلف الإمام لا في سرية ولا جهرية واستدلوا على ذلك بحديث عبد اللَّه بن شداد الآتي وهو ضعيف لا يصلح للاحتجاج به كما ستعرف ذلك‏.‏

ـ واستدل القائلون ـ أن المؤتم لا يقرأ خلف الإمام في الجهرية بقوله تعالى ‏{‏فاستمعوا له وأنصتوا‏}‏ وبحديث أبي هريرة الآتي ذهب الشافعي وأصحابه إلى وجوب قراءة الفاتحة على المؤتم من غير فرق بين الجهرية والسرية سواء سمع المؤتم قراءة الإمام أم لا وإليه ذهب الناصر من أهل البيت واستدلوا على ذلك بحديث عبادة بن الصامت الآتي وأجابوا عن أدلة أهل القول الأول بأنها عمومات وحديث عبادة خاص وبناء العام على الخاص واجب كما تقرر في الأصول وهذا لا محيص عنه‏.‏ ويؤيده الأحاديث المتقدمة القاضية بوجوب فاتحة الكتاب في كل ركعة من غير فرق بين الإمام والمأموم لأن البراءة عن عهدتها إنما تحصل بناقل صحيح لا بمثل هذه العمومات التي اقترنت بما يجب تقديمه عليها وقد أجاب المهدي في البحر عن حديث عبادة بأنه معارض بحديث ‏(‏ما لي أنازع القرآن‏)‏ وهي من معارضة العام بالخاص وهو لا يعارضه أما على قول من قال من أهل الأصول أنه يبنى العام على الخاص مطلقًا وهو الحق فظاهر وأما على قول من قال إن العام المتأخر عن الخاص ناسخ له وإنما يخصص المقارن والمتأخر بمدة لا تتسع للعمل فكذلك أيضًا لأن عبادة روى العام والخاص في حديثه الآتي فهو من التخصيص بالمقارن فلا تعارض في المقام على جميع الأقوال‏.‏

ـ ومن جملة ـ ما استدل به القائلون بوجوب السكوت خلف الإمام في الجهرية ما تقدم من قول جابر‏:‏ ‏(‏من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام‏)‏ وهو مع كونه غير مرفوع مفهوم لا يعارض بمثله منطوق حديث عبادة‏.‏

ـ وقد اختلفت ـ الشافعية في قراءة الفاتحة هل تكون عند سكتات الإمام أو عند قراءته وظاهر الأحاديث الآتية أنها تقرأ عند قراءة الإمام وفعلها حال سكوت الإمام إن أمكن أحوط لأنه يجوز عند أهل القول الأول فيكون فاعل ذلك آخذًا بالإجماع وأما اعتياد قراءتها حال قراءة الإمام للفاتحة فقط أو حال قراءته للسورة فقط فليس عليه دليل بل الكل جائز وسنة نعم حال قراءة الإمام للفاتحة مناسب من جهة عدم الاحتياج إلى تأخير الاستعاذة عن محلها الذي هو بعد التوجه أو تكريرها عند إرادة قراءة الفاتحة إن فعلها في محلها أو لا وأخر الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة ومن جهة الاكتفاء بالتأمين مرة واحدة عند فراغه وفراغ الإمام من قراءة الفاتحة إن وقع الاتفاق في التمام بخلاف من أخر قراءة الفاتحة إلى حال قراءة الإمام للسورة وقد بالغ بعض الشافعية فصرح بأنه إذا اتفقت قراءة الإمام والمأموم في آية خاصة من آي الفاتحة بطلت صلاته روى ذلك صاحب البيان من الشافعية عن بعض أهل الوجوه منهم وهو من الفساد بمكان يغني عن رده‏.‏

2 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال‏:‏ هل قرأ معي أحد منكم آنفًا فقال رجل‏:‏ نعم يا رسول اللَّه قال‏:‏ فإني أقول ما لي أنازع القرآن قال‏:‏ فانتهى الناس عن القراءة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيما يجهر فيه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الصلوات بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والشافعي وأحمد وابن ماجه وابن حبان وقوله ‏(‏فانتهى الناس عن القراءة‏)‏ مدرج في الخبر كما بينه الخطيب واتفق عليه البخاري في التاريخ وأبو داود ويعقوب بن سفيان والذهلي والخطابي وغيرهم قال النووي‏:‏ وهذا مما لا خلاف فيه بينهم‏.‏

قوله ‏(‏ما لي أنازع‏)‏ بضم الهمزة للمتكلم وفتح الزاي مضارع ومفعوله الأول مضمر فيه والقرآن مفعوله الثاني قاله شارح المصابيح واقتصر عليه ابن رسلان في شرح السنن‏.‏ والمنازعة المجاذبة قال صاحب النهاية‏:‏ أنازع أي أجاذب كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه فالتبست عليه القراءة وأصل النزع الجذب ومنه نزع الميت بروحه‏.‏

ـ والحديث ـ استدل به القائلون بأنه لا يقرأ المؤتم خلف الإمام في الجهرية وهو خارج عن محل النزاع لأن الكلام في قراءة المؤتم خلف الإمام سرًا والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع إسراره وأيضًا لو سلم دخول ذلك في المنازعة لكان هذا الاستفهام الذي للإنكار عامًا لجميع القرآن أو مطلقًا في جميعه وحديث عبادة خاصًا ومقيدًا وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏

3 - وعن عبادة قال‏:‏ ‏(‏صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة فلما انصرفت قال‏:‏ إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم قال‏:‏ قلنا يا رسول اللَّه أي واللَّه قال‏:‏ لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن‏)‏ رواه أبو داود والنسائي والدارقطني وقال‏:‏ كلهم ثقات‏.‏

4 - وعن عبادة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ لا يقرأن أحد منكم شيئًا من القرآن إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني وقال‏:‏ رجاله كلهم ثقات‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أحمد والبخاري في جزء القراءة وصححه وابن حبان والحاكم والبيهقي من طريق ابن إسحاق قال‏:‏ حدثني مكحول عن محمود بن ربيعة عن عبادة وتابعه زيد بن واقد وغيره عن مكحول‏.‏

ومن شواهده ما رواه من طريق خالد الحذاء عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ لعلكم تقرؤون والإمام يقرأ قالوا‏:‏ إنا لنفعل قال‏:‏ لا إلا بأن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب‏)‏‏.‏

قال الحافظ‏:‏ إسناده حسن‏.‏ ورواه ابن حبان من طريق أيوب عن أبي قلابة عن أنس وزعم أن الطريقتين محفوظتان وخالفه البيهقي فقال‏:‏ إن طريق أبي قلابة عن أنس ليست بمحفوظة ومحمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث فذهبت مظنة تدليسه وتابعه من تقدم‏.‏

قوله ‏(‏فثقلت عليه القراءة‏)‏ أي شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة ويحتمل أن يراد به أنها التبست عليه القراءة بدليل ما عند أبي داود من حديث عبادة في رواية له بلفظ‏:‏ ‏(‏فالتبست عليه القراءة‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏لا تفعلوا‏)‏ هذا النهي محمول على الصلاة الجهرية كما في الرواية الأخرى التي ذكرها المصنف بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا جهرت به‏)‏ وبلفظ‏:‏ ‏(‏إذا جهرت بالقراءة‏)‏ وفي رواية لمالك والنسائي وأبي داود والترمذي وحسنها عن أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏فانتهى الناس عن القراءة مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فيما جهر فيه حين سمعوا ذلك من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ كما تقدم في الحديث الذي قبل هذا‏.‏ وفي لفظ للدارقطني‏:‏ ‏(‏إذا أسررت بقراءتي فاقرؤوا وإذا جهرت بقراءتي فلا يقرأ معي أحد‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏فإنه لا صلاة‏)‏ قد تقدم الكلام على ما يقدر في هذا النفي‏.‏

ـ والحديث ـ استدل به من قال بوجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام وهو الحق وقد تقدم بيان ذلك وظاهر الحديث الإذن بقراءة الفاتحة جهرًا لأنه استثنى من النهي عن الجهر خلفه ولكنه أخرج ابن حبان من حديث أنس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أتقرؤون في صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه‏)‏‏.‏

وأخرجه أيضًا الطبراني في الأوسط والبيهقي وأخرجه عبد الرزاق عن أبي قلابة مرسلًا وظاهر التقييد بقوله من القرآن يدل على أنه لا بأس بالاستفتاح حال قراءة الإمام بما ليس بقرآن والتعوذ والدعاء‏.‏

وقد ذهب ابن حزم إلى أن المؤتم لا يأتي بالتوجه وراء الإمام قال‏:‏ لأن فيه شيئًا من القرآن وقد نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يقرأ خلف الإمام إلا أم القرآن وهو فاسد لأنه إن أراد بقوله لأن فيه شيئًا من القرآن كل توجه فقد عرفت مما سلف أن أكثرها مما لا قرآن فيه وإن أراد خصوص توجه علي رضي اللَّه عنه الذي فيه وجهت وجهي إلى آخره فليس محل النزاع هذا التوجه الخاص ولكنه ينبغي لمن صلى خلف إمام يتوجه قبل التكبيرة كالهادوية أو دخل في الصلاة حال قراءة الإمام أن يأتي بأخصر التوجهات ليتفرغ لسماع قراءة الإمام‏.‏ ويمكن أن يقال لا يتوجه بشيء من التوجهات من صلى خلف إمام لا يتوجه بعد التكبيرة لأن عمومات القرآن والسنة قد دلت على وجوب الإنصات والاستماع والمتوجه حال قراءة الإمام للقرآن غير منصت ولا مستمع وإن لم يكن تاليًا للقرآن إلا عند من يجوز تخصيص مثل هذا العموم بمثل ذلك المفهوم أعني مفهوم قوله من القرآن هذا هو التحقيق في المقام‏.‏

‏[‏فائدة‏]‏ قد عرفت مما سلف وجوب الفاتحة على كل إمام ومأموم في كل ركعة وعرفناك أن تلك الأدلة صالحة للاحتجاج بها على أن قراءة الفاتحة من شروط صحة الصلاة فمن زعم أنها تصح صلاة من الصلوات أو ركعة من الركعات بدون فاتحة الكتاب فهو محتاج إلى إقامة برهان يخصص تلك الأدلة‏.‏

ومن ههنا يتبين لك ضعف ما ذهب إليه الجمهور أن من أدرك الإمام راكعًا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئًا من القراءة واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة في صلاته يوم الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى‏)‏ رواه الدارقطني من طريق ياسين بن معاذ وهو متروك‏.‏

وأخرجه الدارقطني بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك وإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى‏)‏ ولكنه رواه من طريق سليمان بن داود الحراني ومن طريق صالح بن أبي الأخضر وسليمان متروك وصالح ضعيف على أن التقييد بالجمعة في كلا الروايتين مشعر بأن غير الجمعة بخلافها وكذا التقييد بالركعة في الرواية الأخرى يدل على خلاف المدعى لأن الركعة حقيقة لجميعها وإطلاقها على الركوع وما بعده مجاز لا يصار إليه إلا لقرينة كما وقع عند مسلم من حديث البراء بلفظ‏:‏ ‏(‏فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته‏)‏ فإن وقوع الركعة في مقابلة القيام والاعتدال والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع‏.‏

وقد ورد حديث‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من صلاة الجمعة‏)‏ بألفاظ لا تخلو طرقها عن مقال حتى قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه‏:‏ لا أصل لهذا الحديث إنما المتن‏:‏ ‏(‏من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها‏)‏ وكذا قال القرطبي والعقيلي‏.‏ وأخرجه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الإمام صلبه‏)‏ وليس في ذلك دليل لمطلوبهم لما عرفت من أن مسمى الركعة جميع أذكارها وأركانها حقيقة شرعية وعرفية وهما مقدمتان على اللغوية كما تقرر في الأصول فلا يصح جعل حديث ابن خزيمة وما قبله قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي‏.‏

ـ فإن قلت ـ فأي فائدة على هذا في التقليد بقوله ‏(‏قبل أن يقيم صلبه‏)‏ قلت دفع توهم أن من دخل مع الإمام ثم قرأ الفاتحة وركع الإمام قبل فراغه منها غير مدرك‏.‏ إذا تقرر لك هذا علمت أن الواجب الحمل على الإدراك الكامل للركعة الحقيقية لعدم وجود ما تحصل به البراءة من عهدة أدلة وجوب القيام القطعية وأدلة وجوب الفاتحة‏.‏

وقد ذهب إلى هذا بعض أهل الظاهر وابن خزيمة وأبو بكر الضبعي روى ذلك ابن سيد الناس في شرح الترمذي وذكر فيه حاكيًا عمن روى عن ابن خزيمة أنه احتج لذلك بما روي عن أبي هريرة أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة‏)‏ وقد رواه البخاري في القراءة خلف الإمام من حديث أبي هريرة أنه قال‏:‏ ‏(‏إن أدركت القوم ركوعًا لم تعتد بتلك الركعة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفًا‏.‏ وأما المرفوع فلا أصل له وقال الرافعي تبعًا للإمام‏:‏ إن أبا عاصم العبادي حكى عن ابن خزيمة أنه احتج به وقد حكى هذا المذهب البخاري في القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام وحكاه في الفتح عن جماعة من الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي وغيره من محدثي الشافعية ورجحه المقبلي‏.‏ قال‏:‏ وقد بحثت هذه المسألة وأحطتها في جميع بحثي فقهًا وحديثًا فلم أحصل منها على غير ما ذكرت يعني من عدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط‏.‏

قال العراقي في شرح الترمذي بعد أن حكى عن شيخه السبكي أنه كان يختار أنه لا يعتد بالركعة من لا يدرك الفاتحة ما لفظه‏:‏ وهو الذي يختاره اهـ‏.‏ فالعجب ممن يدعي الإجماع والمخالف مثل هؤلاء‏.‏

وأما احتجاج الجمهور بحديث أبي بكرة حيث صلى خلف الصف مخافة أن تفوته الركعة فقال صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏زادك اللَّه حرصًا ولا تعد‏)‏ ولم يؤمر بإعادة الركعة فليس فيها ما يدل على ما ذهبوا إليه لأنه كما لم يأمره بالإعادة لم ينقل إلينا أنه اعتد بها‏.‏ والدعاء له بالحرص لا يستلزم الاعتداد بها لأن الكون مع الإمام مأمور به سواء كان الشيء الذي يدركه المؤتم معتدًا به أم لا كما في حديثه‏:‏ ‏(‏إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا‏)‏ أخرجه أبو داود وغيره على أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قد نهى أبا بكر عن العود إلى مثل ذلك‏.‏

والاحتجاج بشيء قد نهي عنه لا يصح وقد أجاب ابن حزم في المحلى عن حديث أبي بكرة فقال‏:‏ إنه لا حجة لهم فيه لأنه ليس فيه اجتزاء بتلك الركعة ثم استدل على ما ذهب إليه من أنه لا بد في الاعتداد بالركعة من إدراك القيام والقراءة بحديث‏:‏ ‏(‏ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏)‏ ثم جزم بأنه لا فرق بين فوت الركعة والركن والذكر المفروض لأن الكل فرض لا تتم الصلاة إلا به قال‏:‏ فهو مأمور بقضاء ما سبقه الإمام وإتمامه فلا يجوز تخصيص شيء من ذلك بغير نص آخر ولا سبيل إلى وجوده قال‏:‏ وقد أقدم بعضهم على دعوى الإجماع على ذلك وهو كاذب في ذلك لأنه قد روي عن أبي هريرة أنه لا يعتد بالركعة حتى يقرأ أم القرآن وروي القضاء أيضًا عن زيد بن وهب ثم قال‏:‏ فإن قيل أنه يكبر قائمًا ثم يركع فقد صار مدركًا للوقفة قلنا وهذه معصية أخرى وما أمر اللَّه تعالى قط ولا رسوله أن يدخل في الصلاة من غير الحال التي يجد الإمام عليها وأيضًا لا يجزئ قضاء شيء يسبق به من الصلاة إلا بعد سلام الإمام لا قبل ذلك‏.‏ وقال أيضًا في الجواب عن استدلالهم بحديث‏:‏ ‏(‏من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة‏)‏‏:‏ إنه حجة عليهم لأنه مع ذلك لا يسقط عنه قضاء ما لم يدرك من الصلاة انتهى‏.‏

ـ والحاصل ـ أن أنهض ما احتج به الجمهور في المقام حديث أبي هريرة باللفظ الذي ذكره ابن خزيمة لقوله فيه ‏(‏قبل أن يقيم صلبه‏)‏ كما تقدم‏.‏

وقد عرفت أن ذكر الركعة فيه مناف لمطلوبهم وابن خزيمة الذي عولوا عليه في هذه الرواية من القائلين بالمذهب الثاني كما عرفت ومن البعيد أن يكون هذا الحديث عنده صحيحًا ويذهب إلى خلافه‏.‏

ـ ومن الأدلة ـ على ما ذهبنا إليه في هذه المسألة حديث أبي قتادة وأبي هريرة المتفق عليهما بلفظ‏:‏ ‏(‏ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏)‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ قد استدل بهما على أن من أدرك الإمام راكعًا لم يحتسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته لأنه فاته القيام والقراءة فيه ثم قال‏:‏ وحجة الجمهور حديث أبي بكرة وقد عرفت الجواب عن احتجاجهم به‏.‏ وقد ألف السيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير رسالة في هذه المسألة ورجح مذهب الجمهور وقد كتبت أبحاثًا في الجواب عليها‏.‏

5 - وروى عبد اللَّه بن شداد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏ وقد روي مسندًا من طرق كلها ضعاف والصحيح أنه مرسل‏.‏

الحديث قال الدارقطني‏:‏ لم يسنده عن موسى بن أبي عائشة غير أبي حنيفة والحسن ابن عمارة وهما ضعيفان قال‏:‏ وروى هذا الحديث سفيان الثوري وشعبة وإسرائيل وشريك وأبو خالد الدالاني وأبو الأحوص وسفيان بن عيينة وحريث بن عبد الحميد وغيرهم عن موسى ابن أبي عائشة عن عبد اللَّه بن شداد مرسلًا عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو الصواب انتهى‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وهو مشهور من حديث جابر وله طرق عن جماعة من الصحابة كلها معلولة‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ إنه ضعيف عند جميع الحفاظ وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني‏.‏

وقد احتج القائلون بأن الإمام يتحمل القراءة عن المؤتم في الجهرية الفاتحة وغيرها والجواب أنه عام لأن القراءة مصدر مضاف وهو من صيغ العموم وحديث عبادة المتقدم خاص فلا معارضة وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

6 - وعن عمران بن حصين‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى الظهر فجعل رجل يقرأ خلفه سبح اسم ربك الأعلى فلما انصرف قال‏:‏ أيكم قرأ أو أيكم القارئ فقال الرجل‏:‏ أنا فقال‏:‏ لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏خالجنيها‏)‏ أي نازعنيها‏.‏ ومعنى هذا الكلام الإنكار عليه في جهره أو رفع صوته بحيث أسمع غيره لا عن أصل القراءة بل فيه أنهم كانوا يقرؤون بالسورة في الصلاة السرية وفيه إثبات قراءة السورة في الظهر للإمام والمأموم‏.‏ قال النووي‏:‏ وهكذا الحكم عندنا ولنا وجه شاذ ضعيف أنه لا يقرأ المأموم السورة في السرية كما لا يقرؤها في الجهرية وهذا غلط لأنه في الجهرية يؤمر بالإنصات وهنا لا يسمع فلا معنى لسكوته من غير استماع ولو كان بعيدًا عن الإمام لا يسمع قراءته فالصحيح أنه يقرأ السورة لما ذكرناه انتهى‏.‏

وظاهر الأحاديث المنع من قراءة ما عدا الفاتحة من القرآن من غير فرق بين أن يسمع المؤتم الإمام أو لا يسمعه لأن قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرت‏)‏ يدل على النهي عن القراءة عند مجرد وقوع الجهر من الإمام وليس فيه ولا في غيره ما يشعر باعتبار السماع‏.‏

 باب التأمين والجهر به مع القراءة

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا أمن الإمام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏ وقال ابن شهاب‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول أمين‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا أن الترمذي لم يذكر قول ابن شهاب‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين وإن الإمام يقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه‏)‏ رواه أحمد والنسائي‏.‏

وفي الباب عن علي عند ابن ماجه وعن بلال عند أبي داود‏.‏ وعن أبي موسى عند أبي عوانة‏.‏ وعن عائشة عند أحمد والطبراني وابن ماجه‏.‏ وعن ابن عباس عند ابن ماجه أيضًا وفي إسناده طلحة بن عمرو وقد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم‏.‏

وعن سلمان عند الطبراني في الكبير وفيه سعيد بن بشير‏.‏ وعن ابن أم الحصين عند الطبراني في الكبير وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف‏.‏ وعن أبي هريرة حديث آخر سيأتي وحديث ثالث عند النسائي‏.‏ وعن وائل ثلاثة أحاديث سيأتي ذكرها في المتن والشرح وذكر الحافظ محمد ابن إبراهيم الوزير رحمه اللَّه أن في الباب أيضًا عن أم سلمة وسمرة انتهى‏.‏ وعن ابن شهاب مرسل كما في حديث الباب وفي الباب أيضًا عن علي حديث آخر عند أحمد بن عيسى في الأمالي وعنه موقوف عليه من طريق أبي خالد الواسطي في مجموع زيد بن علي وعنه أيضًا موقوف عليه آخر من فعله عند ابن أبي حاتم وقال‏:‏ هذا عندي خطأ‏.‏ وعن ابن الزبير من فعله عند الشافعي فهذه سبعة عشر حديثًا وثلاثة آثار‏.‏

قوله ‏(‏إذا أمن الإمام‏)‏ فيه مشروعية التأمين للإمام وقد تعقب بأن القضية شرطية فلا تدل على المشروعية ورد بأن إذا تشعر بتحقيق الوقوع كما صرح بذلك أئمة المعاني‏.‏

وقد ذهب مالك إلى أن الإمام لا يؤمن في الجهرية وفي رواية عنه مطلقًا‏.‏ وكذا روي عن أبي حنيفة والكوفيين وأحاديث الباب ترده‏.‏ وسيأتي منها ما هو أصرح من حديث أبي هريرة في مشروعيته للإمام وظاهر الرواية الأولى من الحديث أن المؤتم يوقع التأمين عند تأمين الإمام وظاهر الرواية الثانية منه أنه يوقعه عند قول الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين‏.‏

وجمع الجمهور بين الروايتين بأن المراد بقوله ‏(‏إذا أمن‏)‏ أي أراد التأمين ليقع تأمين الإمام والمأموم معًا‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ويخالفه رواية معمر عن ابن شهاب بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين والإمام يقول آمين‏)‏ قال‏:‏ أخرجها النسائي وابن السراج وهي الرواية الثانية من حديث الباب‏.‏ وقيل المراد بقوله ‏(‏إذا قال ولا الضالين فقولوا آمين‏)‏ أي إذا لم يقل الإمام آمين‏.‏ وقيل الأول لمن قرب من الإمام والثاني لمن تباعد عنه لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة‏.‏ وقيل يؤخذ من الروايتين تخيير المأموم في قولها مع الإمام أو بعده قاله الطبري‏.‏ قال الخطابي‏:‏ وهذه الوجوه كلها محتملة وليست بدون الوجه الذي ذكروه يعني الجمهور‏.‏

قوله ‏(‏فأمنوا‏)‏ استدل به على مشروعية تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام لأنه رتبه عليه بالفاء لكن قد تقدم في الجمع بين الراويتين أن المراد المقارنة وبذلك قال الجمهور‏.‏

قوله ‏(‏تأمين الملائكة‏)‏ قال النووي‏:‏ واختلف في هؤلاء الملائكة فقيل هم الحفظة وقيل غيرهم لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏من وافق قوله قول أهل السماء‏)‏ وأجاب الأولون بأنه إذا قاله الحاضرون من الحفظة قاله من فوقهم حتى ينتهي إلى أهل السماء‏.‏ والمراد بالموافقة الموافقة في وقت التأمين فيؤمن مع تأمينهم قاله النووي‏.‏ قال ابن المنير‏:‏ الحكمة في إثبات الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها‏.‏ وقال القاضي عياض‏:‏ معناه وافقهم في الصفة والخشوع والإخلاص‏.‏ قال الحافظ‏:‏ والمراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين‏.‏

قوله ‏(‏آمين‏)‏ هو بالمد والتخفيف في جميع الروايات وعن جميع القراء‏.‏ وحكى أبو نصر عن حمزة والكسائي الإمالة وفيه ثلاث لغات أخر شاذة القصر حكاه ثعلب وأنشد له شاهدًا وأنكره ابن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر‏.‏ وحكى عياض ومن تبعه عن ثعلب أنه إنما أجازه في الشعر خاصة‏.‏ والثانية التشديد مع المد‏.‏ والثالثة التشديد مع القصر وخطأهما جماعة من أئمة اللغة‏.‏ وآمين من أسماء الأفعال ويفتح في الوصل لأنها مثل كيف ومعناه اللَّهم استجب عند الجمهور‏.‏ وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى‏.‏ وقيل إنه اسم للَّه حكاه صاحب القاموس عن الواحدي‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية التأمين قال الحافظ‏:‏ وهذا الأمر عند الجمهور للندب‏.‏ وحكى ابن بزيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم عملًا بظاهر الأمر‏.‏ وأوجبته الظاهرية على كل من يصلي‏.‏ والظاهر من الحديث الوجوب على المأموم فقط لكن لا مطلقًا بل مقيدًا بأن يؤمن الإمام وأما الإمام والمنفرد فمندوب فقط‏.‏

وحكى المهدي في البحر عن العترة جميعًا أن التأمين بدعة وقد عرفت ثبوته عن علي عليه السلام من فعله وروايته عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في كتب أهل البيت وغيرهم على أنه قد حكى السيد العلامة الإمام محمد بن إبراهيم الوزير عن الإمام مهدي محمد بن المطهر وهو أحد أئمتهم المشاهير أنه قال في كتابه الرياض الندية‏:‏ إن رواة التأمين جم غفير قال‏:‏ وهو مذهب زيد بن علي وأحمد بن عيسى انتهى‏.‏

وقد استدل صاحب البحر على أن التأمين بدعة بحديث معاوية بن الحكم السلمي إن هذه صلاتنا لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ولا يشك أن أحاديث التأمين خاصة وهذا عام وإن كانت أحاديثه الواردة عن جمع من الصحابة لا يقوى بعضها على تخصيص حديث واحد من الصحابة مع أنها مندرجة تحت العمومات القاضية بمشروعية مطلق الدعاء في الصلاة لأن التأمين دعاء فليس في الصلاة تشهد وقد أثبتته العترة فما هو جوابهم في إثباته فهو الجواب في إثبات ذلك على أن المراد بكلام الناس في الحديث هو تكليمهم لأنه اسم مصدر كلم لا تكلم‏.‏

ويدل على أن ذلك السبب المذكور في الحديث‏.‏ وأما القدح في مشروعية التأمين بأنه من طريق وائل بن حجر فهو ثابت من طريق غيره في كتب أهل البيت وغيرها فإنه مروي من جهة ذلك العدد الكثير‏.‏

وأما ما رواه في الجامع الكافي عن القاسم بن إبراهيم أن آمين ليست من لغة العرب فهذه كتب اللغة بأجمعها على ظهر البسيطة‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا تلا غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال‏:‏ آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه وقال‏:‏ ‏(‏حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني وقال‏:‏ إسناده حسن والحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرطهما‏.‏ والبيهقي وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏ وأشار إليه الترمذي وهو يدل على مشروعية التأمين للإمام ومشروعية الجهر به وقد تقدم الخلاف في ذلك‏.‏ واستدلوا على مشروعية الجهر به بحديث عائشة مرفوعًا عند أحمد وابن ماجه والطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على السلام والتأمين‏)‏ وحديث ابن عباس عند ابن ماجه بلفظ‏:‏ قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على قول آمين فأكثروا من قول آمين‏)‏ اهـ‏.‏

3 - وعن وائل بن حجر قال‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين يمد بها صوته‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الدارقطني وابن حبان وزاد أبو داود‏:‏ ‏(‏ورفع بها صوته‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وسنده صحيح وصححه الدارقطني وأعله ابن القطان بحجر بن عنبس وقال‏:‏ إنه لا يعرف وخطأه الحافظ وقال‏:‏ إنه ثقة معروف قيل له صحبة ووثقه يحيى بن معين وغيره وروى الحديث ابن ماجه وأحمد والدارقطني من طريق أخرى بلفظ‏:‏ ‏(‏وخفض بها صوته‏)‏ وقد أعلت باضطراب شعبة في إسنادها ومتنها ورواها سفيان ولم يضطرب في الإسناد ولا المتن‏.‏

قال ابن القطان‏:‏ اختلف شعبة وسفيان فقال شعبة‏:‏ خفض وقال الثوري‏:‏ رفع‏.‏ وقال شعبة‏:‏ حجر أبو عنبس وقال الثوري‏:‏ حجر بن عنبس وصوب البخاري وأبو زرعة قول الثوري‏.‏

وقد جزم ابن حبان في الثقات أن كنيته كاسم أبيه فيكون ما قالاه صوابًا‏.‏ وقال البخاري‏:‏ إن كنيته أبو السكن ولا مانع من أن يكون له كنيتان وقد ورد الحديث من طرق ينتفي بها إعلاله بالاضطراب من شعبة ولم يبق إلا التعارض بين شعبة وسفيان وقد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة فلذلك جزم النقاد بأن روايته أصح كما روي ذلك عن البخاري وأبي زرعة‏.‏ وقد حسن الحديث الترمذي قال ابن سيد الناس‏:‏ ينبغي أن يكون صحيحًا‏.‏

‏(‏وهو يدل‏)‏ على مشروعية التأمين للإمام والجهر ومد الصوت به قال الترمذي‏:‏ وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن الرجل يرفع صوته بالتأمين ولا يخفيها وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق اهـ‏.‏

 باب حكم من لم يحسن فرض القراءة

1 - عن رفاعة بن رافع‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم علم رجلًا الصلاة فقال‏:‏ إن كان معك قرآن فاقرأ وإلا فاحمد اللَّه وكبره وهلله ثم اركع‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والترمذي‏.‏

2 - وعن عبد اللَّه بن أبي أوفى قال‏:‏ ‏(‏جاء رجل إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إني لا أستطيع أن آخذ شيئًا من القرآن فعلمني ما يجزئني قال‏:‏ قل سبحان اللَّه والحمد للَّه ولا إله إلا اللَّه واللَّه أكبر ولا حول ولا قوة إلا باللَّه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني ولفظه فقال‏:‏ ‏(‏إني لا أستطيع أن أتعلم القرآن فعلمني ما يجزئني في صلاتي‏)‏ فذكره‏.‏

أما الحديث الأول فهو طرف من حديث المسيء صلاته وأخرجه النسائي أيضًا وقال الترمذي‏:‏ حديث رفاعة حسن‏.‏

وأما الحديث الثاني فأخرجه أيضًا ابن الجارود وابن حبان والحاكم وفي إسناده إبراهيم ابن إسماعيل السكسكي وهو من رجال البخاري لكن عيب عليه إخراج حديثه وضعفه النسائي‏.‏

وقال ابن القطان‏:‏ ضعفه قوم فلم يأتوا بحجة‏.‏ وقال ابن عدي‏:‏ لم أجد له حديثًا منكر المتن‏.‏ وذكره النووي في الخلاصة في فصل الضعيف‏.‏ وقال في شرح المهذب‏:‏ رواه أبو داود والنسائي بإسناد ضعيف اهـ ولم ينفرد بالحديث إبراهيم فقد رواه الطبراني وابن حبان في صحيحه أيضًا من طريق طلحة بن مصرف عن ابن أبي أوفى ولكن في إسناده الفضل بن موفق ضعفه أبو حاتم كذا قال الحافظ‏.‏

قوله ‏(‏فاحمد اللَّه‏)‏ الخ قيل قد عين الحديث الثاني لفظ الحمد والتكبير والتهليل المأمور به ولا يخفى أنه من التقييد بموافق المطلق‏.‏

قوله ‏(‏إني لا أستطيع‏)‏ رواه ابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏إني لا أحسن من القرآن شيئًا‏)‏ قال شارح المصابيح‏:‏ اعلم أن هذه الواقعة لا تجوز أن تكون في جميع الأزمان لأن من يقدر على تعلم هذه الكلمات لا محالة يقدر على تعلم الفاتحة بل تأويله لا أستطيع أن أتعلم شيئًا من القرآن في هذه الساعة وقد دخل على وقت الصلاة فإذا فرغ من تلك الصلاة لزمه أن يتعلم‏.‏

ـ والحديثان ـ يدلان على أن الذكر المذكور يجزئ من لا يستطيع أن يتعلم القرآن وليس فيه ما يقتضي التكرار فظاهره أنها تكفي مرة‏.‏

وقد ذهب البعض إلى أنه يقوله ثلاث مرات والقائلون بوجوب الفاتحة في كل ركعة لعلهم يقولون بوجوبه في كل ركعة‏.‏

 باب قراءة السورة بعد الفاتحة في الأوليين وهل تسن قراءتها في الأخريين أم لا

1 - عن أبي قتادة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب ويسمعنا الآية أحيانًا ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية وهكذا في العصر وهكذا في الصبح‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ورواه أبو داود وزاد قال‏:‏ ‏(‏فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏الأوليين‏)‏ بتحتانيتين تثنية الأولى وكذا الأخريين‏.‏

قوله ‏(‏وسورتين‏)‏ أي في كل ركعة سورة ويدل على ذلك ما ثبت من حديث قتادة في رواية للبخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في الركعتين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة سورة‏)‏ وفيه دليل على إثبات القراءة في الصلاة السرية‏.‏

وقد أخرج أبو داود والنسائي عن ابن عباس أنه سئل‏:‏ ‏(‏أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في الظهر والعصر فقال‏:‏ لا لا فقيل له‏:‏ فلعله كان يقرأ في نفسه فقال‏:‏ خمسًا هذه أشد من الأولى فكان عبدًا مأمورًا بلغ ما أرسل به‏)‏ الحديث وهو كما قال الخطابي وهم من ابن عباس وقد أثبت القراءة في السرية أبو قتادة وخباب بن الأرت وغيرهما والإثبات مقدم على النفي‏.‏ وقد تردد ابن عباس في ذلك فروى عنه أبو داود أنه قال‏:‏ ‏(‏لا أدري أكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا‏)‏ وفي هذه الرواية دليل على أنه اعتمد في الأولى على عدم الدراية لا على قرائن دلت على ذلك‏.‏

قوله ‏(‏ويسمعنا الآية أحيانًا‏)‏ فيه دلالة على جواز الجهر في السرية وهو يرد على من جعل الإسرار شرطًا لصحة الصلاة السرية وعلى من أوجب في الجهر سجود السهو‏.‏ وقوله ‏(‏أحيانًا‏)‏ يدل على أنه تكرر ذلك منه‏.‏

قوله ‏(‏ويطول في الركعة الأولى‏)‏ استدل به على استحباب تطويل الأولى على الثانية سواء كان التطويل بالقراءة بترتيلها مع استواء المقروء في الأوليين‏.‏

وقد قيل إن المستحب التسوية بين الأوليين فاستدلوا بحديث سعد عند البخاري ومسلم وغيرهما وسيأتي‏.‏ وكذلك استدلوا بحديث أبي سعيد الآتي عند مسلم وأحمد‏:‏ ‏(‏أنه كان صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في الظهر في الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية‏)‏ وفي رواية لابن ماجه‏:‏ ‏(‏أن الذين حزروا ذلك كانوا ثلاثين من الصحابة‏)‏ وجعل صاحب هذا القول تطويل الأولى المذكور في الحديث بسبب دعاء الاستفتاح والتعوذ‏.‏

وقد جمع البيهقي بين الأحاديث بأن الإمام يطول في الأولى إن كان منتظرًا لأحد وإلا سوى بين الأوليين‏.‏ وجمع ابن حبان بأن تطويل الأولى إنما كان لأجل الترتيل في قراءتها مع استواء المقروء في الأوليين‏.‏

قوله ‏(‏وهكذا في الصبح‏)‏ الخ فيه دليل على عدم اختصاص القراءة بالفاتحة وسورة في الأوليين وبالفاتحة فقط في الأخريين والتطويل في الأولى بصلاة الظهر بل ذلك هو السنة في جميع الصلوات‏.‏

قوله ‏(‏فظننا أنه يريد‏)‏ الخ فيه أن الحكمة في التطويل المذكور هي انتظار الداخل وكذا روى هذه الزيادة ابن خزيمة وابن حبان‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ لا حجة فيه لأن الحكمة لا تعلل بها لخفائها وعدم انضباطها‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية القراءة بفاتحة الكتاب في كل ركعة وقد تقدم الكلام عليه وعلى قراءة سورة مع الفاتحة في كل واحدة من الأوليين وعلى جواز الجهر ببعض الآيات في السرية‏.‏

2 - وعن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏قال عمر لسعد‏:‏ لقد شكوك في كل شيء حتى الصلاة قال‏:‏ أما أنا فأمد في الأوليين وأحذف في الأخريين ولا آلو ما اقتديت به من صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ صدقت ذلك الظن بك أو ظني بك‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏شكوك‏)‏ يعني أهل الكوفة وفي رواية للبخاري شكا أهل الكوفة سعدًا‏.‏

قوله ‏(‏في كل شيء‏)‏ قال الزبير بن بكار في كتاب النسب‏:‏ رفع أهل الكوفة عليه أشياء كشفها عمر فوجدها باطلة ولكن عزله واستعمل عليهم عمار بن ياسر‏.‏ قال خليفة‏:‏ استعمل عمارًا على الصلاة وابن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الأرض‏.‏

قوله ‏(‏فأمد‏)‏ في رواية في الصحيحين فأركد في الأوليين وهما متقاربان‏.‏ قال القزاز‏:‏ أي أقيم طويلًا أطول فيهما القراءة ويحتمل التطويل لما هو أعم كالأذكار والقراءة والركوع والسجود والمعهود في التفرقة بين الركعات إنما هو في القراءة‏.‏

قوله ‏(‏وأحذف‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة قال الحافظ‏:‏ وكذا هو في جميع طرق هذا الحديث التي وقفت عليها لكن في رواية البخاري وأخف بضم الهمزة وكسر الخاء المعجمة والمراد بالحذف حذف التطويل وتقصيرهما عن الأوليين لا حذف أصل القراءة والإخلال بها فكأنه قال أحذف المد‏.‏

ـ وفيه دليل ـ على أن الأوليين من الرباعية متساويتان في الطول وكذا الأوليان من الثلاثية وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏ وفيه دليل أيضًا على تساوي الأخريين‏.‏

قوله ‏(‏ولا آلو‏)‏ بمد الهمزة من آلو وضم اللام بعدها أي لا أقصر في ذلك‏.‏

قوله ‏(‏ذلك الظن بك‏)‏ فيه جواز مدح الرجل الجليل في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه والنهي عن ذلك إنما هو لمن خيف عليه وقد جاءت أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيح بالأمرين والمد في الأوليين يدل على قراءة زيادة على فاتحة الكتاب ولذا أورد المصنف الحديث دليلًا لقراءة السورة بعد الفاتحة‏.‏

3 - وعن أبي سعيد الخدري‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية وفي الأخريين قدر قراءة خمس عشرة آية أو قال نصف ذلك وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر قراءة خمس عشر آية وفي الآخريين قدر نصف ذلك‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

الحديث يدل على استحباب التطويل في الأوليين من الظهر والأخريين منه لأن الوقوف في كل واحدة من الأخريين منه مقدار خمس عشرة آية يدل على أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان يقرأ بزيادة على الفاتحة لأنها ليست إلا سبع آيات‏.‏

وقوله ‏(‏في الأخريين قدر خمس عشرة آية‏)‏ أي في كل ركعة كما يشعر بذلك السياق‏.‏ ويدل أيضًا على استحباب التخفيف في صلاة العصر وجعلها على النصف من صلاة الظهر‏.‏ وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي سعيد من طريق أخرى هذا الحديث بدون قوله في كل ركعة ولفظه‏:‏ ‏(‏فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر‏)‏ فينبغي حمل المطلق في هذه الرواية على المقيد بقوله في كل ركعة‏.‏

والحكمة في إطالة الظهر أنها في وقت غفلة بالنوم في القائلة فطولت ليدركها المتأخر والعصر ليست كذلك بل تفعل في تعب أهل الأعمال فخففت وقد ثبت أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يطول في الظهر تطويلًا زائدًا على هذا المقدار كما في حديث‏:‏ ‏(‏إن صلاة الظهر كانت تقام ويذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يأتي أهله فيتوضأ ويدرك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الركعة الأولى مما يطيلها‏)‏‏.‏